محاكمات الصحافة و الرأي باسم المقدس

إنها واحدة من أسوأ السنوات في المتابعات القضائية بتهمة اعتقد أن العهد الجديد قد قطع معها إلى غير رجعة، حيث لم يكن من المتوقع أن تستمر محاكمات باسم المقدس، مع العلم أن حقوقيي المملكة و قضاتها يدركون جيداً أن مثل هذه المحاكمات تمثل محاكمة للرأي، ما دام أن أصحابها لم يعبروا عن رأيهم باستعمال القوة أو العنف،

سجين المقدسات

حصاد السنة - جريدة الأيام

8/1/2008

إنها واحدة من أسوأ السنوات في المتابعات القضائية بتهمة اعتقد أن العهد الجديد قد قطع معها إلى غير رجعة، حيث لم يكن من المتوقع أن تستمر محاكمات باسم المقدس، مع العلم أن حقوقيي المملكة و قضاتها يدركون جيداً أن مثل هذه المحاكمات تمثل محاكمة للرأي، ما دام أن أصحابها لم يعبروا عن رأيهم باستعمال القوة أو العنف، و هذا ما حدث في ملفات تواترت على محاكم مملكة محمد السادس منذ السنة الماضية، و لم يتم إقفالها إلا بعد شهور من الانتظار و المحن و الوقفات و الإضرابات عن الطعام...

حدث ذلك في أكثر من إقليم في البلاد، و على رأسها مدينة بني ملال التي اعتقل فيها أكثر من ناشط سياسي و حقوقي و في مقدمتهم شيخ المعتقلين السياسيين محمد بوكرين الذي لقب بمعتقل الملوك الثلاثة بسبب اعتقاله في عهد الملك محمد الخامس و الملك الحسن الثاني و الملك محمد السادس.

و قد عرفت هذه المحاكمات التي انتقلت أصداؤها خارج حدود المملكة، تشكيل لجان تضامن على المستوى الدولي من أجل إطلاق سراح المعتقلين الذين وصفوا بمعتقلي الرأي في بني ملال و غيرها، مثلما تشكلت لجان تضامن داخل المغرب و على نطاق واسع، خصوصا بعدما أعيدت محاكمة محمد بوكرين في المرحلة الاستئنافية و الرفع من الحكم من سنة نافدة إلى ثلاث سنوات، زاد من مساوئها تدهور الوضعية الصحية للشيخ بوكرين بسبب إصابته بأمراض مزمنة جراء الاعتقالات المتتالية التي تعرض لها العقود الماضية.

لقد كانت أسوأ سنة محاكمات الرأي باسم المقدس في العهد الجديد، انتقلت تفاصيلها إلى تقارير المنظمات الحقوقية الدولية التي اعتبرت ما جرى في نهاية النصف الثاني من السنة الماضية و بداية النصف الأول من السنة الجارية بمثابة تراجع في التطور الطفيف الذي عاشته البلاد خلال السنوات القليلة الماضية.

و لم تكن محاكمات الرأي باسم المقدس التي انتهت بالإفراج عن شيخ المعتقلين السياسيين محمد بوكرين و بقية رفاقه عبر عفو ملكي هي المحاكمات الوحيدة التي شهدتها المملكة خلال هذه السنة، حيث كان للصحافة نصيب في هذه المحاكمات، كان أسوؤها ما جرى في محاكمة الدولة لمكتب قناة الجزيرة بالرباط، و هي المحاكمة التي انطلقت أطوارها بدعوى نشر أخبار زائفة حول وجود قتلى في سيدي إيفني التي عاشت أحداثاً ساخنة في شهر يونيو الماضي.

لقد بثت قناة الجزيرة بالرباط خبر سقوط قتلى في صفوف المواطنين بسيدي إيفني، و اعتبرت الحكومة أن هذا الخبر الزائف يستحق المحاكمة بدل توضيح أو بين حقيقة يعيد الأمور إلى مجرياتها، خصوصاً و أن يومية مغربية نشرت في صدر أحد أعدادها سقوط قتلى بسيدي إيفني، و على الرغم من أن قناة الجزيرة أرفقت خبرها بسقوط ضحايا في قبائل آيت باعمران بتصريح لوزارة الداخلية ينفي ما قالته الجزيرة على لسان منظمة حقوقية.

و قد انتهت هذه المحاكمة بإدانة الجزيرة بأداء غرامة مالية قدرها 50 ألف درهم و الحكم على الناشط الحقوقي إبراهيم سبع الليل بالسجن ستة أشهر نافذة، و على الرغم من أن الحكم الذي صدر في حق الزميل حسن الراشدي مدير مكتب قناة الجزيرة بالرباط كان مخففا و لم يصل إلى مستوى الحكم بالسجن، فإنه حكم لا ينفي إدانة القناة التي قررت استئناف الحكم من أجل الدفاع عن براءتها في قضية لم ترتكب فيها أي جرم، فهل كان على الدولة التي تعتبر أن البلاد تعيش انتقالاً ديمقراطياً أن تصل إلى هذا الحد في مواجهتها مع الصحافة و مع النشطاء الحقوقيين ببني ملال الذين نظموا وقفة احتجاجية سلمية للتضامن مع رفاق آخرين اعتقلوا خلال احتفالات فاتح ماي؟