باراكا من المقدسات.. زيدونا في الحريات
المثير في حكاية المقدسات أنها لا تشمل السياسيين و النقابيين فحسب، بل إنها تمتد إلى بسطاء الناس الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة تهمة أكبر منهم كما هو شأن المرأة التي شبهت زوجها العاطل عن العمل بالملك الذي يضع رجلا فوق رجل. أو ذاك المختل العقلي الذي ردد كلمات مبهمة في اليوسفية اعتبرتها السلطة اهانة للمقدسات،
إهانة المقدسات
جريدة الأيام
7/14/2007


من القصر الكبير إلى تيزنيت و تازة و بني ملال
المثير في حكاية المقدسات أنها لا تشمل السياسيين و النقابيين فحسب، بل إنها تمتد إلى بسطاء الناس الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة تهمة أكبر منهم كما هو شأن المرأة التي شبهت زوجها العاطل عن العمل بالملك الذي يضع رجلا فوق رجل. أو ذاك المختل العقلي الذي ردد كلمات مبهمة في اليوسفية اعتبرتها السلطة اهانة للمقدسات، أو تاجر طاطا الذي سيجد نفسه خلف القضبان لمدة أربع سنوات بعد أن مزق يومية عائشة التي توجد على صدر صفحتها الأولى صورة الملك.
"باراكا من المقدسات .. زيدونا في الحريات" هذا هو المطلب الجديد الذي بدأت الهيئات الحقوقية تردده بعد سلسلة الاعتقالات التي شملت عددا من المناضلين الحزبيين و الجمعويين، و عددا غير قليل من مواطنين عاديين وجدوا أنفسهم خلف القضبان بتهمة جاهزة هي إهانة المقدسات.
لم تنطلق هذه التهمة من تظاهرة فاتح ماي الأخير حيث ستقضي محاكم مدن أكادير، القصر الكبير، تيزنيت، تازة، صفرو و بعدها بني ملال بإدانة المتهمين بعد أن اعتبرت الشعارات التي رددوها أثناء تظاهرة فاتح ماي مسا بالمقدسات في شخص الملك، و لكنها ظلت الوصفة السحرية التي اعتمدها حكم الحسن الثاني للإيقاع بالعديد من معارضيه.
لكن حينما جاء نظام الملك الجديد، اعتقد الكثيرون، بعد سلسلة المصالحة الوطنية التي عرفتها البلاد أن هذه الوصفة ستدخل مزبلة التاريخ. غير أن "جيوب مقاومة العهد الجديد" فتحوا هذه الصفة مرة أخرى. و الحصيلة هي هذه الاعتقالات و المحاكمات التي لم تستثن أحدا من أطفال تينجداد الذين توبعوا بتهمة تمزيق صورة الملك، إلى شيخ بني ملال بوكرين الذي أصبح عنوانا للاعتقال السياسي على عهد الملوك الثلاثة. و كأن هذه الإهانة للمقدسات لابد أن تكون ديمقراطية حتى في بطشها و لا تستثني أحدا.
لقد وجد المتظاهرون في عيد الشغل أن الشعارات التي ترددها النقابات التي أضحت متهمة بموالاتها للنظام الذي اختار سياسة "دعه يحتج" كما اختار سياسة "دعه يضرب"، لم تعد مقنعة رغم أنها تنتقد الحكومة ووزرائها. لذلك زاد الحماس و زادت معه درجة الشعارات التي رددها متظاهرو فاتح ماي و التي وجدت السلطة أنها مستفزة و يجب أن يوضع لها حد، على الرغم من أن هذه الشعارات، التي قادت إلى الاعتقال في القصر الكبير أو أكادير أو تيزنيت، هي التي ظل مناضلو الهيئات الحقوقية يرددونها أمام مبنى البرلمان أو عدد من الوزارات في العاصمة الرباط. لذلك يتساءل الكثيرون كيف أن شعارات المس بالمقدسات تقود إلى السجن في القصر الكبير، و لا تثير الانتباه في العاصمة الرباط. أما في بني ملال فإن الاعتقالات طالت الذين أعلنوا تضامنهم مع معتقلي المس بالمقدسات لتصبح الأحكام الصادرة في حقهم الموضوع السياسي الأكثر إثارة للانتباه على الرغم من أن المغرب يعيش على ايقاع استحقاقين على غاية كبيرة من الأهمية هما استحقاقات الانتخابات التشريعية، التي تجرى في الخريف المقبل، و استحقاقات القضية الوطنية، التي دخل المغرب فيها تجربة المفاوضات مع جبهة البوليساريو و هي المفاوضات التي تستأنف في العاشر من غشت المقبل. و لذلك يعتبر المتتبعون أن فتح ملف معتقلي المس بالمقدسات في خضم هذه المعارك، قد يضعف الجبهة الداخلية التي يعول عليها لربح الرهان على الواجهتين.
كانت تظاهرة فاتح ماي بطعم خاص في مدن القصر الكبير و أكادير و تيزنيت و تازة و صفرو، في الوقت الذي تم منح التظاهرة من مدينة شفشاون. و قبل أن يسدل الستار على هذه المحطة النقابية التي يعتبرها العمال فرصتهم السنوية للتعبير عن مطالبهم و فضح الممارسات التي يرون أنها لا تخدم مصلحتهم كطبقة بروليتارية كادحة، كانت مصالح الأمن تعتقل عددا كبيرا منهم شمل أساسا بعض المنتمين للجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، لتتم الإدانة التي شملت في أكادير عاملا زراعيا و تلميذا صدرت في حقهما أحكام بالسجن وصلت سنتين نافذتين و غرامة مالية بقيمة 10 آلاف درهم لكل منهما.
و في القصر الكبير وصل عدد المعتقلين و المدانين بنفس التهمة إلى خمسة يوجد من بينهم منتمون لجمعية المعطلين.
و في مدينة خنيفرة طال الاعتقال العديد من مناضلي الجمعية الوطنية للمعطلين الذين شاركوا في تظاهرة إحياء لذكرى اغتيال أحد رموز هذه المنظمة مصطفى الحمزاوي.
حدث هذا في 16 ماي. أما في 22 منه، فقد قضت محكمة القصر الكبير بثلاثة سنوات سجنا نافذة في حق خمسة متظاهرين ستقدمهم مصالح الأمن على أنهم رددوا شعارات مست المقدسات.
و في بني ملال وجد عدد من مناضلي حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي أنفسهم في مواجهة نفس التهمة بعد ن نظموا وقفة احتجاجية تضامنا مع معتقلي فاتح ماي. و الحصيلة هي أن السلطة اختارت أن تعتقل عددا كبيرا منهم كان من بينهم المناضل بوكرين و هو في عقده السبعين لتتم إدانته بسنة حبسا و غرامة مالية قدرها ألف درهم، في الوقت الذي تراوحت فيه بقية الأحكام ما بين مدد موقوفة التنفيذ، و البراءة لستة متابعين بنفس التهمة.
و اعتبر حزب الطليعة أن تنامي الاعتقالات التي مست عددا من مناضلي الحزب تأتي في الوقت الذي عبر فيه رفاق أحمد بنجلون عن دخولهم للتجربة الانتخابية التي تحتضنها بلادنا في شتنبر المقبل. و لم يخف بيان الحزب الذي أصدره بعد اعتقالات فاتح ماي و ما تلاه دهشته مما يقع. "ففي الوقت الذي يستعد فيه الحزب لدخول تجربة الانتخابات التشريعية من أجل بناء مجتمع ديمقراطي متحرر، فإن المخزن و أجهزته القمعية تشن حملة شرسة تستهدف مناضلي الحزب.. مما يبين بوضوح، تضيف فقرات البيان، أن قرار المشاركة النضالية للحزب في هذه الانتخابات أربك صفوف الطبقة الحاكمة".
و سجل حزب النهج الديمقراطي، الذي أدين أربعة من مناضليه، أن الدولة عادت لنفس الأسلوب الذي جربته خلال سنوات الرصاص، و هو أسلوب اشهار ورقة المس بالمقدسات في وجه التنظيمات السياسية التي اختارت أن تكون معارضة. و من أقرب الأمثلة ما يحدث اليوم للنهج الديمقراطي الذي يؤدي مناضلوه ثمن المواقف التي يعبر عنها سواء فيما يتعلق بقضية الصحراء، أو بدعوته إلى محاكمة الجلادين، أو معركته من أجل التعبئة لمقاطعة الانتخابات التي اختار ألا يشارك فيها. بالاضافة إلى دور مناضليه في تأسيس تنسيقيات لمحاربة ارتفاع الأسعار في عدد من المدن و القرى. و بذلك مارست الدولة ما يسميه النهج بالحرب الاستباقية من أجل إدخال الحزب في معارك تلهيه عن التفرغ لمطالبه الأساسية.
أما الهيئة الوطنية للتضامن مع معتقلي فاتح ماي، و التي تأسست مباشرة بعد انطلاق المتابعات و الاعتقالات بتهمة المس بالمقدسات، فقد عبرت من خلال بيان لها عن استنكار الأحكام التي رأت أنها جائرة، كما سطرت برنامجا نضالياً تراهن من خلاله على اسقاط كل الأحكام التي صدرت في حق المتابعين بتهمة المس بالمقدسات لأنها أضحت الصيغة الذكية التي تتخلص بواسطتها السلطة ممن تعتبرهم خصومها. و يمتد هذا البرنامج من السادس من يوليوز إلى السادس من غشت على امتداد شهر كامل سيخصص للنضال و التحرك و الضغط من أجل إطلاق سراح معتقلي فاتح مايلأنهم، بحسب الهيئة، معتقلوا رأي. ليخلص البيان إلى إدانة استمرار توظيف القضاء من أجل إضفاء المشروعية على انتهاكات حقوق الإنسان.
لقد أعادت اعتقالات فاتح ماي الأخير و التي أدين خلالها المتهمون بالمس بالمقدسات، النقاش عن حدود هذا المس. متى يبتدأ، و أين ينتهي، بالنظر إلى أن المغرب تجاوز سنوات الرصاص و دخل في تجربة مصالحة وطنية و مشاركة واسعة في التجربة الديمقراطية بعد مجيء ملك جديد. غير أن سلطات الإدانة تعتبر أن الدستور، الذي هو أسمى قانون في البلاد، لا يخفي الحديث على أن شخص الملك مقدس. زد على ذلك أن القانون الجنائي المغربي في فصليه 179 و 186 يحدد العقوبة إذا ما تبثت إهانة الملك أو أحد الأمراء. كما هو الشأن مع المادتين 38 و 41 من قانون الصحافة. غير أن اعترافات المتابعين بعدم المس بالمقدسات، كثيراً ما يصطدم بطابور من الشهود الذين في غالبيتهم من رجال السلطة الذين أعدوا تقاريرهم للإيقاع بمن يعتبرونهم مزعجين، خصوصا في بعض المدن الصغيرة كما هو الشأن مع القصر الكبير أو تازة أو صفرو، في الوقت الذي يظل فيه القضاء غير محايد في كثير من الملفات، لدرجة أنه يرتبك في إيجاد مخرج لها. و لذلك انتبهت هيئة الانصاف و المصالحة لهذا المعطى و هي تسطر في تقاريرها أن "القضاء ساهم في تدهور وضعية حقوق الإنسان بالمغرب".
المثير في حكاية المقدسات أنها لا تشمل السياسيين و النقابيين فحسب، بل إنها تمتد إلى بسطاء الناس الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة تهمة أكبر منهم كما هو شأن المرأة التي شبهت زوجها العاطل عن العمل بالملك الذي يضع رجلا فوق رجل. أو ذاك المختل العقلي الذي ردد كلمات مبهمة في اليوسفية اعتبرتها السلطة اهانة للمقدسات، أو تاجر طاطا الذي سيجد نفسه خلف القضبان لمدة أربع سنوات بعد أن مزق يومية عائشة التي توجد على صدر صفحتها الأولى صورة الملك. بالإضافة إلى الرسائل المجهولة أو النزاعات التي يحول فيها البعض تبادل الضرب و الجرح إلى إهانة للمقدسات التي أصبحت تعني أن الإدانة ثابتة.
في بداية التسعينات استطاع نوبير الأموي، و هو آنذاك عضو في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، و كاتب عام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل أن يفتح ثقباً في جدار المخزن السميك حينما ظل يردد في جل التجمعات الخطابية التي أشرف عليها أن المغرب في حاجة "لملك يسود و لا يحكم". و بعد أن وجد النظام أن هذا الخطاب الجديد الذي يردده مسؤول ينتمي لواحد من أكبر الأحزاب السياسية قد يجد صداه بين الجماهير الشعبية التي بدا الأموي يخترقها لدرجة أن الأدبيات بدأت تتحدث عن "شعب الأموي" اختار أن يتدخل لوقف هذا المد حينما قرر محاكمته و اعتقاله من داخل قاعة المحكمة بعد قصة "حكومة المانغنطيس" التي أطلقها الأموي و هو يجري استجوابا صحفيا مع البايس الأسبانية.
اليوم لم يعد الحديث عن الملك الذي يسود أو يحكم هو الذي يقود إلى الاعتقال، و لكن كل ما من شانه أن يعكر صفو المخزن الذي يملك وحده القدرة على تصنيف هذا الشعار إن كان بريئاً، أو هو مس بالمقدسات.