أي صيغة للإعتدار الرسمي للدولة؟

إذا أرادت السلطة الحاكمة أن تعطي مدلولا حقوقياً و سياسياً لمفهوم الاعتذار الرسمي و العلني للدولة، فعليها أولاً إخلاء السجون من كافة المعتقلين السياسيين دون استثناء. تطرح الحركة الحقوقية المغربية بكل مكوناتها، و ضمن متطلبات المعالجة السليمة لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان الناتجة عن القمع السياسي، ضرورة اعتذار الدولة الرسمي و العلني للضحايا و المجتمع.

الحقيقة و الانصاف

جريدة المساء

6/13/2007

إذا أرادت السلطة الحاكمة أن تعطي مدلولا حقوقياً و سياسياً لمفهوم الاعتذار الرسمي و العلني للدولة، فعليها أولاً إخلاء السجون من كافة المعتقلين السياسيين دون استثناء.

تطرح الحركة الحقوقية المغربية بكل مكوناتها، و ضمن متطلبات المعالجة السليمة لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان الناتجة عن القمع السياسي، ضرورة اعتذار الدولة الرسمي و العلني للضحايا و المجتمع.

إلا أن هنالك خلافا داخل الحركة الحقوقية، بل و حتى داخل الجمعية المغربية لحقوق الانسان –و هذا ما تجلى خلال المؤتمر الثامن المنعقد في أبيرل الماضي- حول صيغة الاعتذار.

السؤال المطروح: من يجب أن يقدم الاعتذار للضحايا و المجتمع؟ هل الملك أم الوزير الأول؟

إن هيئة الإنصاف و المصالحة أجابت عن هذا السؤال في إحدى توصياتها المتضمنة في تقريرها بتاريخ 30 نونبر 2005 و التي جاء فيها أن الوزير الأول هو من يجب أن يقدم الاعتذار.

و هناك آخرون ـ و من ضمنهم أنا شخصياً ـ يعتبرون أن الملك هو من يجب أن يقدم الاعتذار باسم الدولة.

لماذا هذا الموقف؟ أولاً، إن الدستور نفسه في الفصل 19 ـ و مهما كانت مواقفنا من هذا الدستور ـ يؤكد أن الملك هو " الممثل الأسمى ...و ضامن دوام الدولة و استمرارها و الساهر على احترام الدستور، و له صيانة حقوق و حريات المواطنين و الجماعات و الهيئات ".

نفس الدستور يطرح أن الملك " يعين الوزير الأول و يعين باقي أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول و له أن يعفيهم من مهامهم... و أنه يرأس المجلس الوزاري و أن الحكومة مسؤولة أمام الملك و أمام البرلمان ".

كل هذا يبين بوضوح أن الملك هو، دستورياً و قانونياً، ممثل الدولة على المستوى السياسي و صاحب السلطة الفعلية، في حين أن الوزير الأول معين من طرفه و مسؤول أمام الملك.

ثانيا، إن المسؤولية في ارتكاب الانتهاكات الجسيمة ترجع، أولا و قبل كل شيء، إلى المؤسسة الملكية نظراً لما لها من سلطات مباشرة و غير مباشرة، عبر تحكمها في الجيش و الدرك و سائر الأجهزة الأمنية و وزارة الداخلية و أجهزتها و القضاء.

أما سلطات الوزير الأول فهي ضعيفة مقارنة مع سلطات الملك، و يمكن الجزم بأن الوزراء الأولين أنفسهم لم يكونوا، في العديد من الأحيان، حتى على علم بالانتهاكات الجسيمة المرتكبة من طرف الأجهزة الخاضعة لسلطات الملك و مراقبته.

و نظراً لما سبق، فمن البديهي أن الملك هو الذي يجب أن يقدم الاعتذار باسم الدولة.

إن المعارضين لمبدأ اعتذار الملك باسم الدولة يطرحون من بين ما يطرحونه أن الملك الحالي، محمد السادس، ليست له مسؤولية عن الانتهاكات الجسيمة المرتكبة في ظل حكم والده، و بالتالي من المجحف مطالبته بالاعتذار عن انتهاكات لم يقم بها.

صحيح أن الملك لم يكن له كولي للعهد، سوى دور سياسي هامشي، و بالتالي لم يكن له دور في الانتهاكات الجسيمة المرتكبة في ظل حكم واله. إلا أن الاعتذار المطلوب من الملك ليس اعتذاراً شخصياً عن أعمال ارتكبها كشخص، و إنما هو اعتذار باسم المؤسسة الملكية كنواة أساسية للدولة و باعتبار أن الملك، وفقا للفصل 19 من الدستور، هو "ضامن دوام الدولة و استمراريتها".

من جهة أخرى إن التأكيد على عدم مسؤولية الملك الحالي عن الانتهاكات الجسيمة لما قبل 1999 للاعتراض على اعتذار الملك يمكن التحجج به كذلك للاعتراض على اعتذار الوزير الأول مادام الوزير الأول الحالي نفسه ليست له مسؤولية عن انتهاكات الماضي.

خلاصة القول أن الاعتذار الرسمي للدولة لن يكون جدياً و مسؤولاً إلا إذا تم من طرف الملك. و إذا تم هذا الاعتذار من طرف الوزير الأول كما طرح ذلك من طرف هيئة الإنصاف و المصالحة فسيكون ذلك مجرد اعتذار للوزير الأول أو للوزارة الأولى و ليس اعتذاراً للدولة.

تبقى ضرورة الجواب عن سؤال آخر: هل الاعتذار الرسمي للدولة، في شخص الملك، يكفي لطي ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان المرتبطة بالقمع السياسي؟ طبعاً لا، لأن المعالجة الحقوقية و الديمقراطية السليمة لهذا الملف تقتضي وفقاً لتصوراتنا في الجمعية المغربية لحقوق الانسان خمسة متطلبات أساسية:

1- الكشف عن الحقيقة، كل الحقيقة بشأن كافة الانتهاكات الجسيمة، و تحديد المسؤولية العامة ـ مسؤولية الدولة ـ و تشخيص مسؤولية كل مؤسسة و جهاز من مؤسسات و أجهزة الدولة و المسؤوليات الفردية بشأن الانتهاكات الجسيمة.

2- المساءلة و عدم الافلات من العقاب بالنسبة للمسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة.

3- الإنصاف و هو ما يتطلب جبر الأضرار الفردية ( التعويض المادي و العلاج الطبي و الادماج الاجتماعي ) و الجماعية ( بالنسبة للمجموعات و المناطق التي عانت بشكل فظيع من الانتهاكات الجسيمة ) و المجتمعية ( حفظ الذاكرة و الاعتذار الرسمي للدولة ).

4- اتخاذ الإجراءات الكفيلة بضمان عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة مستقبلاً، مما يستوجب وضع أسس بناء دولة الحق و القانون بدءا بإقرار دستور ديمقراطي في طريق بلورته و مضمونه و أسلوب المصادقة عليه عبر استفتاء حر و نزيه.

5- المعالجة الموازية للانتهاكات الجسيمة المرتبطة بالقمع السياسي و الانتهاكات الجسيمة الناتجة عن الجرائم الاقتصادية: الرشوة، نهب و تبذير المال العام، منح الامتيازات لكبار الأعيان و مختلف أصناف الفساد الاقتصادي. إن ضرورة هذه المقاربة تنبع، من جهة، من كون العديد من المسؤولين الكبار عن الانتهاكات الجسيمة المرتبطة بالقمع السياسي هم، في ذات الوقت، المسؤولون عن الجرائم الاقتصادية و المستفيدون من نهب المال العام، و من جهة أخرى، من كونها ستمكن، عبر استرجاع الأموال المنهوبة من طرف المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة، من تمويل صندوق تعويض الضحايا بدل اللجوء إلى الميزانية العامة و إثقال كاهل الشعب بالضرائب للتعويض عن انتهاكات كان هو الضحية الأولى لها.

فكرة أخيرة حول جدوى الاعتذار الرسمي للدولة.

تعيش بلادنا منذ فاتح ماي الأخير، حملة جديدة من القمع التعسفي باسم "حماية المقدسات" أدت إلى اعتقال و محاكمة و إدانة سبعة مناضلين بأكادير و القصر الكبير، كلهم أعضاء بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان، كما أدت إلى اعتقال عشرة مناضلين ديمقراطيين ببني ملال، أغلبهم أعضاء في الجمعية ( و من ضمنهم الأخ محمد بوكرين، عضو الجمعية و عضو المنتدى المغربي من أجل الحقيقة و الإنصاف، و الذي يقبع من جديد داخل السجن).

و تحتضن السجون المغربية و أحيانا منذ ما يقرب من 25 سنة ـ العديد من المعتقلين السياسيين ضحايا انتهاك حقوق الإنسان، منهم إسلاميون أصوليون و منهم نشطاء صحراويون و منهم طلبة.

إن أي اعتذار و مهما كانت صيغته لن تكون له أية جدوى في ظل استمرار الاعتقال السياسي و ما دام هنالك معتقل سياسي واحد في المغرب. و إذا أرادت السلطة الحاكمة أن تعطي مدلولا حقوقيا و سياسيا لمفهوم الاعتذار الرسمي و العلني للدولة، فعليها أولا إخلاء السجون من كافة المعتقلين السياسيين دون استثناء.