سلاماً بوكرين و صبراً جميلاً
تلقيت خبر حكم قاضي محكمة الاستئناف ببني ملال عليك بالحبس النافذ ثلاث سنوات بكثير من الذهول، فكأن حكم المحكمة الابتدائية بسنة واحدة سجنا نافذاً لم يشف غليل من أرادوا أن يذكروك ببرودة الزنازين التي سكنتها طيلة نصف قرن من العمر الزاخر بالنضال.
إهانة المقدسات
الرأي الآخر – علي أنوزلا - جريدة المساء
8/15/2007


تلقيت خبر حكم قاضي محكمة الاستئناف ببني ملال عليك بالحبس النافذ ثلاث سنوات بكثير من الذهول، فكأن حكم المحكمة الابتدائية بسنة واحدة سجنا نافذاً لم يشف غليل من أرادوا أن يذكروك ببرودة الزنازين التي سكنتها طيلة نصف قرن من العمر الزاخر بالنضال.
حاولت فلم استطع أن أتصور كيف يستطيع القاضي الذي نطق بالحكم عليك أن ينام قرير العين، بينما تقضي أنت الليل تعد في عتمة الزنازين دقات قلبك النابض بالنضال.
حاولت فلم أستطع أن أتخيل كيف يستطيع القاضي بعد أن ينزع بذلته السوداء أن يمشي في الأسواق بين الناس و يأكل الخبز مثل كل الناس، و هو يعرف قبل غيره أن حكمه جائر..
و غدا عندما تخرج حراً طليقاً من زنزانتك، سيتذكر بسطاء الناس و أعز الناس و أشرف الناس تضحياتك و ظلم و جور سجانيك، بينما لا أحد يذكر اليوم اسم القاضي الذي قرر أن يرمي بشيخوختك الطاعنة في النضال في ظلمة المعتقل. فحكم بعض القضاة عندما يكون ظالماً أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند.
حاولت فلم أستطع أن أفهم معنى الحكم على شيخ طاعن في السن و النضال مثلك، بلغ من العمر عتيا دون أن تهده سنوات السير على درب الرفاق الممسكين بالرايات حتى لا تنكس.
إنهم يخشون سطوة صوتك عندما يجلجل مثل دفقات رشاش بقول الحق الذي سينبلج مثل نور الدجى ذات صبح قريب، و يرتعدون من وقفتك العزلاء عندما تناصر رفاقاً لك يحلمون مثلك بفجر الحرية الآتي لا ريب فيه.
أنت القابع خلف جدران زنزانتك أكثر حرية من كل أولئك الجالسين في المقاهي يدفنون رؤوسهم خلف أوراق الصحيفة التي تكذب عليهم كل صباح، يختبؤون خلف دخان سجائرهم لمواراة مهانتهم و ذلهم.
كل ليلة طويلة تقضيها خلف قضبان زنزانتك المعتمة وصمة عار على جبيننا نحن الجالسون هاهنا يخنقنا صمتنا، ندس خوفنا و جبننا في جيوب معاطفنا.
كل دمعة تذرفها في عتمة زنزانتك تجعل كلماتنا تبتل خجلاً، و تشعرنا كم هو الانسان مهان في هذا الوطن عندما يقبل أن يمشي مطأطأ الرأس سافر العورة مكسور الجناح.
كل تنهيدة تخرج من صدرك في سكون الليل و هدوء الظلام، ترتعش لها فرائص سجانيك و تهتز لها جدران زنزانتك، فأنت أكثر صلابة من صلافة أسيادهم، و زنزانتك أكثر رحابة من ضيق تفكيرهم.
سلام عليك أنت الماسك على مبادئك، الثابت على مواقفك، الحاسم في اختياراتك، المصر على مواصلة دربك، المؤمن بحريتك، العنيد عندما تشتد نار الوغى، المقدام عندما تدعى للميدان، الجريء عندما يتخاذل الفرسان ساعة الطعان.
سلام عليك يا من تمثل شموخ الجبال و صلابة الصخر و تواضع السنابل.
سلاماً بوكرين، و صبراً جميلاً .. سلام عليك يوم ولدت حراً و يوم تخرج من زنزانتك حراً و حراً و حراً..
· محمد بوكرين مناضل و حقوقي عمره 72 عاما اعتقل في بني ملال ووجهت له تهمة (( المس بالمقدسات )) بسبب تضامنه مع شباب تظاهروا في فاتح ماي الماضي و رفعوا شعارات وصفت بأنها تمس بالمقدسات، و قد صدر في حقه حكم بالسجن سنة واحدة حبساً نافذاً من قبل المحكمة الابتدائية ببني ملال، و مؤخراً أصدرت في حقه محكمة الاستئناف بنفس المدينة حكما مشدداً بثلاث سنوات حبساً نافذاً.