الضسارة ديال المعقول

جواباً على سؤال طرحه أحد الصحفيين على وزير الاتصال نبيل بنعبد الله حول المواضيع التي يبيح قانون الصحافة التحدث فيها، قال سعادة الوزير أن كل المواضيع مباحة في قانون الصحافة باستثناء الحياة الشخصية و الضسارة.

إهانة المقدسات

شوف تشوف – رشيد نيني - جريدة المساء

8/17/2007

جواباً على سؤال طرحه أحد الصحفيين على وزير الاتصال نبيل بنعبد الله حول المواضيع التي يبيح قانون الصحافة التحدث فيها، قال سعادة الوزير أن كل المواضيع مباحة في قانون الصحافة باستثناء الحياة الشخصية و الضسارة.

و طبعا لم يحدد سعادته من هم الضاسرون الذين يتحدث عنهم في معرض جوابه، لكننا إذا عدنا لقراءة افتتاحية رضى بنشمسي، التي قال أنها تسببت لشركته في خسارة قدرها مائة مليون سنتيم، سنفهم عند الوصول إلى السطر الأخير من الافتتاحية حيث ينهيها كاتبها طالباً من الملك أن يقبل منه هذه الضسارة التي يخاطبه بها، أن المقصود بكلام وزير الاتصال هو بنشمسي.

و إذا كنا فهمنا المقصود بالضسارة في كلام وزير الاتصال فإننا صراحة لا نفهم ما المقصود بالحياة الشخصية. خصوصاً إذا كان بعض المسؤولين في الدولة و كبار الأمنيين و بعض رجال القضاء يقبلون أن يضعوا حياتهم الشخصية في مواقف مخجلة تجعل الجميع يعرف أدق التفاصيل عن هذه الحياة الخاصة.

و لعل القنبلة التي تفجرت مؤخرا في الرباط و أصابت شظاياها الحارقة والي الأمن و كبار رجال الأمن بسبب تسترهم على شبكة لترويج الكوكايين و إعداد السهرات الماجنة لشخصيات راقية، تكشف بما لا يدع مجالا للشك أن بعض المسؤولين هم الأقل حرصاً على المحافظة على ما يسميه سعادة الوزير "الحياة الشخصية".

الخطير في فضيحة تفكيك شبكة جيمي القوية التي كانت تحتمي ببنت وزير سابق و مستشار سابق للحسن الثاني، و التي بدورها كانت تحتمي بضرسات صحاح قد يكشف التحقيق عن أسمائها، هو أن هذه الشبكة استطاعت أن تخترق الجهاز الأمني لعاصمة المملكة. و الجميع يعرف أنه حيث يوجد الجنس و السلطة و المال توجد آذان المخابرات و عملاؤها الذين تجذبهم أجواء الليالي الحمراء، خصوصاً إذا كان ضيوف هذه الليالي الحمراء شخصيات مهمة لديها مكانتها في بعض أجهزة الدولة الحساسة.

هناك نقطة ضعف كبيرة تستغلها كل مخابرات العالم لاختراق الأجهزة الأمنية و السرية للدول، و هي الجنس، و لذلك تعمل على تجنيد العاهرات و الوسيطات، أحيانا بدون علمهن، لاستقطاب كبار المسؤولين و رجال الأمن و المخابرات و توريطهم في علاقات متشابكة و تصويرهم في أوضاع جنسية خليعة ثم ابتزازهم بعد ذلك، وقع هذا لوزراء من حكومة فتح عندما عثرت حماس على أشرطة جنسية في مكاتب هؤلاء دبرها لهم الموساد لابتزازهم و الضغط عليهم.

و هناك حديث اليوم عن فيلات و قصور في حي الرياض و السويسي و بير قاسم بالرباط، معدة لهذا الغرض أساساً، حيث يستطيع المدعوون أن يمارسوا السباحة تحت الأضواء الكاشفة ليلاً، و الاستحمام في الجاكوزي و الخضوع لأنامل المدلكات المحترفات في التدليك الطايلندي. و طبعاً كل ذلك تحت العين الدقيقة لكاميرات مزروعة في كل أنحاء المكان.

و تتحدث مصادر الأمن التي تحقق مع لبنى، أو "جيمي القوية" عن عثورها على صور لمسؤولين كبار كانت في حوزتها. و يجري الآن التحقق من هوية أصحابها. الذين يعرفون "نشاط" لبنى "الشينوية" في ليالي الرباط الصاخبة يتحدثون عن علاقتها بمسؤولين معروفين اعتادوا الخضوع لأنامل فتياتها "المدلكات" الكثيرات اللواتي كانت تختارهن بعناية.

هكذا يقبل بعض المسؤولين إشراك الآخرين في حياتهم الخاصة و بالتلي المعلومات الحساسة التي يمكن أن تندرج ضمن أسرار الدولة. و لعل تحرك الدولة للتحقيق في هذه الفضيحة بكل هذا الحزم و الصرامة يكشف أن الموس وصلت للعظم، و أن الشبكة استطاعت فعلا أن تخترق جهاز الأمن لكي تحوله إلى جهاز يمارس الارهاب ضد رجاله أولا و ضد كل من يقف في طريق لبنى و زبانيتها.

و المضحك في تصريح والي الأمن (و الحقيقة أن اسمه يجب أن يتحول ليصير والو الأمن) هو قوله جواباً على استفسار المحققين حول وجود رقم هاتفه في لائحة آخر المكالمات التي أجرتها لبنى، بأنه يعرف هذه الأخيرة و يستعين بها كمصدر للمعلومات. تبارك الله على المعلومات، "تحزمات الكرعة بالفكوس".

و هذا الاعتراف يدفعنا إلى التساؤل حول نوع المعلومات التي كانت تزود بها لبنى سعادة والي الأمن، و هل هذه المعلومات كانت مهمة إلى درجة أن يقبل بتنقيل شرطي مرور أعطته لبنى بتصرفيقة حارة في الشارع أمام الملأ حتى طار البرق من وجهه، عوض أن يتابع صاحبة اليد الخفيفة بتهمة إهانة رجل أمن أثناء أدائه لواجبه.

الجميع يعرف أن المخابرات و أجهزة الأمن تستعين بالعاهرات و الباطرونات و حتى الشواذ جنسياً لجمع المعلومات. و نصف رواد الحانات و العلب الليلية هم في حقيقة الأمر رجال أمن بزي مدني ينتمون إلى مختلف الأجهزة الاستخباراتية، مهمتهم الأساسية ليس هي السهر و الشرب و لكن إنجاز تقارير مفصلة ترفع في صباح اليوم الموالي للأقسام التي يشتغلون تحت إمرتها. و أغلب فتيات الليل اللواتي "ينشطن" في هذه العلب الليلية و البارات و الكباريهات يقبلن بالتعاون مع هذه الأجهزة مقابل التغاضي عن نشاطهن.

الكارثة هي عندما يقبل كبار هؤلاء المسؤولين الأمنيين الوقوع ضحية خيوط نفس الشبكة التي يحمونها. فينقلب السحر على الساحر، و ينتهي مسؤول كبير كوالي الأمن معترفاً بعلاقته بامرأة أرهبت رجال الأمن باسم كبيرهم الذي علمهم السحر.

و بمناسبة الحديث عن السحر، فمثل هذه القضايا التي تختلط فيها السلطة بالجنس و المال غالباً ما يحضر فيها السحر كأداة من أدوات التأثير و السيطرة على المتورطين في حبائل الشبكة.

و لذلك نرى أن بعض المسؤولين الكبار يتحولون إلى مجرد مضبوعين يأتمرون بأوامر نساء لا سلطة لهن سوى سلطة ما تحت الحزام. و لذلك فالبحث لا يجب أن يشمل فقط المسؤولين الأمنيين و العاهرات و الوسيطات و المشاركات في الشبكة، و إنما أيضاً بعض الفقها الذين يحرزون لهؤلاء النساء القويات الجداول و الكتوبا التي يبضعون بها بعض رجال السلطة و يغلقون بها عيونهم إلى الحد الذي تعمى قلوبهم و أبصارهم عن رؤية الحفر العميقة التي يقودونهن نحوها.

و شخصياً لدي شبه قناعة بأن البحث في هذه الفضيحة عندما سيصل إلى بعض الشخصيات سيكون هناك من يضغط على الفران أمان لكي يوقفه. فلو ذهب البحث في فضيحة أشرطة رقية أبو عالي إلى نهايته لاكتشفنا شخصيات محترمة أخرى تنشط في الأشرطة التي تشترط رقية أبو عالي الكشف عن مكانها مقابل ضمانات بمحاكمة عادلة في حقها.

لقد وصل الفساد إلى قلب جهازين مهمين و حساسين بالنسبة لأمن الدولة الاستراتيجي، الأمن و العدل. و عندما يصبح جهاز الأمن مخترقاً بهذا الشكل الذي يسمح لنساء متهورات بالتحكم في مصائر حملة السلاح من رجال الأمن، فإن تدخلا عاجلا و من أعلى المستويات يجب أن يتم و بشكل صارم و قاطع، لأن الأمر لا يتعلق فقط بنزوات جنسية عابرة لمسؤولين أمنيين و إنما باختراق مخابراتي خطير قد يستغل هذه النزوات ليهدد المصالح العليا للمملكة.

لقد تهاونت السلطة سابقاً في قضية "الجبلية" و تسببت العدالة في تشريد عائلات مجموعة من رجال الأمن ثبت فيما بعد أن لا علاقة لهم بملف الجبلية و أن المسؤولين الحقيقيين الذين اغتنوا من وراء الجبلية لم تطلهم يد العدالة.

و ها نحن اليوم ندفع ثمن هذا التستر الخطير للعدالة على المجرمين الحقيقيين الذين يتاجرون في كل شيء مستعملين السلطة التي تمنحها لهم الدولة في غير محلها.

برأيي فالدولة يجب أن تعمل على نشر تفاصيل متابعة هذا الملف على العموم بواسطة الاعلام، حتى يكون هؤلاء العابثون بأمن البلاد و العباد عبرة لكل من تسول له نفسه تحويل مسدسه الذي يدفع المواطنون ثمن ذخيرته، نحو صدورهم لتهديدهم أو تخويفهم.

إن الخطر كل الخطر هو أن يتحول حاميها إلى حراميها، و ألا تتحرك السلطات إلا عندما تصل النار إلى بيتها الداخلي، و قديما قال المغاربة "حتى تسرقات دار الشيخ عاد حرم السرقة فالدوار".

إن حق المواطنين في الأمن قضية مقدسة، و هؤلاء الذين يهددون هذا الأمن يستحقون أن تتابعهم العدالة بتهمة إهانة المقدسات. هادي هي الضسارة ديال المعقول أسي بنعبد الله، أما المواطن بوكرين الذي لم تراع محكمة بني ملال سنواته الثلاثة و السبعين و حكمت عليه بثلاث سنوات سجناً بتهمة إهانة المقدسات، لا لشيء سوى لأنه شارك في وقفة تضامنية مع معتقلي فاتح ماي، فإنه يستحق أن يطلق سراحه و يقدم له اعتذار رسمي على متابعته في هذه السن المتأخرة من العمر.