شوف تشوف – أحلام و كوابيس

في الوقت الذي كانت فيه مجموعة من الحقوقيين و السياسيين المغاربة يحضرون حفل تأبين الراحل إدريس بنزكري في طنجة، داعين الى مواصلة السير على درب خلق (( وطن يتسع لأحلام الجميع))، كانت زبانية الجنرال العنيكري تجرجر مثل الخراف أجساد حقوقيين و سياسيين آخرين أمام مبنى البرلمان في الرباط.

إهانة المقدسات

رشيد نيني - جريدة المساء

6/19/2007

في الوقت الذي كانت فيه مجموعة من الحقوقيين و السياسيين المغاربة يحضرون حفل تأبين الراحل إدريس بنزكري في طنجة، داعين الى مواصلة السير على درب خلق (( وطن يتسع لأحلام الجميع))، كانت زبانية الجنرال العنيكري تجرجر مثل الخراف أجساد حقوقيين و سياسيين آخرين أمام مبنى البرلمان في الرباط.

هل هي مجرد مصادفة، أم أن الأمر كان رسالة واضحة لمن يعنيهم الأمر بأن الوطن لا يتسع لأحلام الجميع، و إنما فقط يتسع لكوابيس البعض.

إن أحط تكريم لذاكرة إدريس بنزكري هي اختيار ذكراه الأربعينية لكي يتم (( تكريم)) امرأة أمام الملأ اسمها خديجة الرياضي، تسلمت مقاليد رئاسة الجمعية المغربية لحقوق الانسان قبل شهرين. إن أكبر سبة لذاكرة بنزكري هي أن يتم ضرب و تمريغ رجلين كعبد الحميد أمين و عبد الإله بنعبد السلام يتخطيان عتبة الستينات فوق الأرض، دون أدنى اعتبار لتاريخهما النضالي و وضعهما الصحي.

يا للعار. المكان نفسه الذي سمحت فيه سلطات الرباط قبل أسبوعين للمشاركين الأجانب في طواف للدراجات بتغيير ثيابهم و كشف عوراتهم أمام الملأ دون أدنى احترام لمشاعر المغاربة، هو المكان نفسه الذي تمنع فيه وقفة احتجاجية سلمية لحقوقيين أرادوا أن يعلنوا تضامنهم مع المعتقلين بتهمة المس بالمقدسات.

في الوقت الذي يسمحون للأجانب بالتعري أمام مبنى البرلمان و تصوير المواطنين بسفاحاتهم العارية، يستكثرون على بضعة حقوقيين مغاربة مجرد الوقوف للاحتجاج أمامه. و الرسالة واضحة، من أراد تعرية عورته أمام البرلمان مرحبا به، و من أراد تعرية عورة المخزن فالزرواطة ستكون له بالمرصاد.

إن الضرب الوحشي الذي تعرضت له خديجة الرياضي و زملائها في تزامن مضبوط مع حفل تأبين الراحل بنزكري، يفضح المساحيق المفتعلة و الملامح الحزينة المنافقة التي وضعها الجنرال العنيكري على وجهه و هو يحضر مواراة جثة الراحل إدريس بنزكري التراب في قرية آيت واحي.

إن شخصاً يحضر جنازة مناضل حقوقي و يبدي حزنه على رحيله في قريته النائية و يذرف دموع التماسيح عليه، و بمجرد ما يعود الى الرباط يستعيد قساوة الجنرالات و شراسة الجلادين السابقين و يعطي أوامره لضرب و جرجرة زملاء الراحل في النضال من أجل مغرب الكرامة، أمام مؤسسة تمثل الشعب، لهو شخص يستحق فعلاً أن يزور طبيباً نفسياً لكي يشرح له طبيعة شخصيته المتقلبة المزاج.

و بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع ما جاءت الجمعية المغربية لحقوق الانسان للاحتجاج ضده أمام البرلمان، بغض النظر عن التفسيرات التي أعطاها البعض لتوقيت هذه الوقفة الذي يتزامن مع انطلاق المفاوضات بين المغرب و البوليساريو في نيويورك، و بغض النظر عن كل شيء، فإن ما وقع يعد مسا صارخا بأحد أكبر المقدسات في العالم الديمقراطي و هو الحق المقدس في التعبير.

و شخصياً لدي رأي شخصي في تهمة المس بالمقدسات التي يحاكم بسببها مجموعة من المواطنين احتجوا بمناسبة فاتح ماي الماضي، و تم اتهامهم بأنهم أهانوا شخص الملك. و كان هذا الاعتقال سبباً مباشراً في تنظيم الجمعية المغربية لحقوق الانسان للوقفة الاحتجاجية التي انتهت بهم في مستعجلات ابن سينا.

إن الذين يهينون شخص الملك في الحقيقة ليسوا هم الذين يعبرون في المسيرات الاحتجاجية عن غضبهم من الدولة و يطالبونها بالشغل و الخبز و الدواء و الأمن. اذهبوا الى أقوى دولة في العالم و سترون كيف يخرج المواطنون الغاضبون في مسيرات حاملين كراكيز تمثل جورج بوش يجرجرونها في الأرض أمام البيت الأبيض دون أن يتجرأ أحد على لمس شعرة واحدة منهم. الذين يهينون الملك هم أولئك الذين يتسترون وراءه لكي ينهبوا أملاك هذا الشعب. و أنا شخصياً أعتبر أن واحدة من أهم المقدسات في هذه البلاد هي ممتلكات الشعب. و يجب أن تكون لكل الأحزاب و جمعيات المجتمع المدني و جمعيات حماية المال العام الجرأة لكي يطالبوا بمحاكمة علنية لكل من تسول له نفسه المس بهذه المقدسات.

إنهم باعتقالهم هؤلاء المواطنين و ايداعهم السجن و تقديمهم للمحاكمة يريدون إقناعنا بأن المقدس الوحيد الذي لا يجب المس به في هذه البلاد هو شخص الملك، أما أملاك الشعب فيمكن نهبها باسم القرب من الملك، و لن يكون هؤلاء الناهبون عرضة حتى لسؤال صغير في البرلمان.

إنهم يمسون بمقدساتنا كل يوم عندما يسمحون للجنرال بناني باستباحة مقالع للرمال بواد سوس، مختفياً وراء اسم ابنه اسامة الذي يشترك مع رئيس (( جمعية مستغلي قطاع مقالع الرمال، في الشركة المستغلة، و يحتكران استخراج الرمال و الحصى و بيعها بالملايين لشركات البناء. و قد بلغ بهم النهم في استخراج الرمال مبلغاً وصلوا معه الى حدود المحمية المجاورة للقصر الملكي بمنطقة تراست.

إنهم يمسون بمقدساتنا عندما يسمحون لجنرال آخر متقاعد بوضع كلاب حراسة أمام مقلعه الشخصي الذي فوتوه له بنواحي الجديدة، لكي يستخرج منه ثروات البلاد و يستفيد منها لنفسه و أبنائه.

إنهم يمسون بمقدسات البلاد عندما يفوتون لأبناء و زوجة منير الماجدي، مدير الكتابة الخاصة للملك، هكتارات من أملاك المسلمين التابعة للأحباس، بثمن مضحك لا يكفيه حتى لشراء المرطبات لأبنائه في المركز التجاري الميكامول بالرباط.

أليست هذه أمثلة حية على المس بأملاك الشعب التي تعتبر من مقدساته التي لا يجوز لأي أحد التصرف فيها كإرث شخصي. فلماذا لم نسمع إذن عن متابعة أي واحد منهم بتهمة المس بالمقدسات أمام القضاء، أو على الأقل مطالبتهم بالإجابة عن سؤال بسيط من أربع كلمات (( من أين لكم هذا؟)).

إننا ضد إهانة شخص الملك و أيضاً نحن ضد إهانة أي مواطن مغربي مهما صغر شأنه. و لذلك نستغرب هذا الاستعمال غير العادل لتهمة إهانة المقدسات.

فعوض أن يتابع قضاء بوزوبع هؤلاء الجبابرة العابتين بأملاكنا يفضل أن يغمض عينيه عليهم و فتحها على شيخ عمره 72 سنة اسمه محمد بوكرين حضر لكي يحتج الى جانب الهيئة المحلية للتضامن مع معتقلي فاتح ماي ببني ملال المتابعين بتهمة المس بالمقدسات. الطريف في الملف العدلي للمواطن محمد بوكرين هو أنه اعتقل بسبب أفكاره في عهد محمد الخامس و الحسن الثاني و محمد السادس. في المرة الأولى اعتقل بسبب مقاومة المستعمر، و في الثانية بسبب مقاومته لنظام الحسن الثاني، و في الثالثة بسبب وقفة احتجاجية. فهل أصبح النظام السياسي في المغرب على أعصابه الى درجة أنه لم يعد يتحمل رؤية مجرد وقفة احتجاجية، ما أشبه الليلة بالبارحة.

و لعل ما يجهله النظام السياسي المغربي و الذين يريدون توريطه بإعادته الى سنوات الرصاص، هو أن التكلفة السياسية لهذه المتابعات القضائية و لهذه التدخلات الهمجية ضد المحتجين أمام البرلمان، سواء كانوا حقوقيين أو عاطلين أو رجال تعليم كما وقع مؤخراً و تم تمريغ المعلم الذي كاد أن يكون رسولا في الأرض و خلط أسنانه و دمائه بالتراب، تكلفة باهضة جدا و سيدفعها المغرب من رصيده الحقوقي الذي راكمه طيلة السنوات العشر الأخيرة.

إن صورة رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الانسان خديجة الرياضي و هي ملقاة فوق الأرض، لهي الصورة الأكثر تعبيرا عن وضع الكرامة الإنسانية للمواطن المغربي اليوم. كرامة ملقاة على الأرض تدوسها أحذية قوات مساعدة أصبحت أكثر شراسة بعدما استحكم الجنرال العنيكري بقيادتها.

هل بمثل هذه الصور نريد أن نقنع العالم بأن المغرب فعلاً تغير. و هل بمثل هذه الصور نكرم ذاكرة الراحل إدريس بنزكري، الذي ناضل طيلة حياته من أجل (( وطن يتسع لأحلام الجميع )).

بأي شيء يشعر الجنرال العنيكري و هو يرى صور رجاله و هم يرفسون النساء و الرجال بأحذيتهم الثقيلة و يشتمون دين أمهاتهم و يضربونهم على رؤوسهم بالهراوات أمام الملأ، بماذا يشعر هو الذي ظهر في الصور حزينا شبه باكي عندما أهالوا التراب على قبر بنزكري.

مكانه كنت سأشعر بالخجل، و لا شيء سوى الخجل.