عودة قانون كل ما من شأنه برداء الإساءة للمقدسات
هل يكفي أن تتضامن مع شخص معتقل بتهمة الاساءة للمقدسات حتى تعتقل أنت الآخر؟ بالفعل هذا ما حدث لعشرة أشخاص بمدينة بني ملال و الذين وجهت إليهم ثلاثة تهم ثقيلة و هي التجمهر غير المرخص و المس بالمقدسات و تحقير محرر قضائي. تم ذلك يوم الثلاثاء 5 ماي بعد أن شاركوا في وقفة تضامنية مع معتقلي فاتح ماي و الذين حوكموا هم أيضاً بتهمة المس بالمقدسات لرفعهم شعارات مسيئة للنظام الملكي
سجين المقدسات
جريدة المشعل
6/14/2007


اعتبرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في تقرير لها هذه المتابعات لا قانونية، على اعتبار أن الحق في التعبير و الرأي حقان تكفلهما كل المواثيق الدولية حتى و لو كانت تلك الآراء مزعجة للطرف الآخر، من هنا فقد أخذت على تلك المحاكمات مؤاخذات عدة، منها انتزاع الاعترافات تحت الإكراه و التعذيب، حيث صرح المعتقلون بأن الاعترافات المدونة بمحضر أقوالهم قد تم انتزاعها منهم تحت الإكراه و التعذيب، و بتعرضهم للضرب من طرف عناصر الشرطة و بتهديدهم بالاغتصاب، و قد كانت آثار التعذيب بادية على بربوشي المهدي حسب تقرير الجمعية، و رغم أن وكيل الملك أمر بعرضه على خبرة إلا أنه عوض عرضه على خبير قضائي محلف كما يستوجب ذلك القانون، ثم عرضه على طبيب عام خلص في شهادته الطبية أن ما يبدوا على رجل البربوشي من آثار الضرب ليس سوى نتيجة عملية جراحية سابقة، و هو الأمر الذي نفاه بربوشي لأنه لم يسبق له أن أجرى طوال حياته أية عملية جراحية، كما رفضت المحكمة ملتمس استدعاء الشهود محرري المحضر أمام المحكمة و كذا غياب العناصر التكوينية لجريمة المس بالمقدسات، فمن خلال قراءة الشعارات التي على أساسها أدين المتابعون فإنه لا وجود لجريمة إهانة المقدسات، و أن القانون المغربي يعاقب على إهانة شخص الملك أو أحد الأمراء أو أصوله، بالقذف و السب، في حين إن الشعارات المنسوبة إلى المتهمين و الذين أنكروا ترديدها في جميع مراحل المسطرة أمام وكيل الملك و أمام المحكمة لا تتضمن أي سب أو قذف في شخص الملك أو الأمراء و إنها شعارات تعبر عن رأي مما يجعل هذه المحاكمات محاكمة رأي.
و رغم انتقادات العديد من الفعاليات و الإطارات الجمعوية و الحزبية لهذه المتابعات إضافة إلى تشكيل العديد من لجن التضامن فقد جاءت الأحكام قاسية، مما يؤكد أن الهاجس الأمني، هو السائد في كل ما يتعلق بمجال التظاهر و الاحتجاج، فقد أصدرت المحكمة الابتدائية بتاريخ 10 ماي 2007 حكمها القاضي بإدانة عبد الرحيم قراد و المهدي بربوشي بسنتين حبساً نافذا لكل واحد منهما و غرامة مالية قدرها 10.000 درهم، كما أصدرت المحكمة الابتدائية بالقصر الكبير بتاريخ 22 ماي 2007 حكمها القاضي بإدانة التهامي الخياط، أحمد الكعطيب، أسامة بنمسعود، يوسف الركاب و محمد الريسوني بثلاث سنوات سجناً نافذاً لكل واحد منهم و غرامة مالية قدرها عشرة آلاف درهم.
أطوار هذه المتابعات تلتها محاكمة معتقلي بني ملال، الذين اعتقلوا على خلفية تضامنهم مع معتقلي فاتح ماي، و بلغ عددهم عشرة، توبعوا في حالة سراح باستثناء محمد بوكرين البالغ من العمر 72 سنة و الذي توبع في حالة اعتقال، و ينتمي المعتقلون إلى هيئات سياسية و نقابية و جمعوية تتوزع بين الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، المنتدى المغربي للحقيقة و الإنصاف، حزب الطليعة، حزب النهج، الكدش، ثم الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين.
أضحت الفصول 179 من القانون الجنائي المغربي و 38 41 من قانون الصحافة عصا ترفع في أي وقت، لقمع كل مخالف أو منتقد أو معترض بتهمة المس بالمقدسات دون أن يكون هناك توضيح دقيق و مباشر لحقيقة هذه المقدسات التي حددت في الإساءة للنظام الملكي و الأمراء و الأميرات و الوحدة الترابية و الدين الإسلامي.
و هل النظام الملكي إلا نظام سياسي على رأسه ملك، مع كامل الاحترام لشخص الملك و مكانته المعنوية، يجمع في يده بنص الدستور مطلق السلطات و مع هذا فهو فوق النقد و المحاسبة و المراقبة؟ فإذا لم يتوجه نقد المعارضين إلى سياسات الملك فلمن سيتوجه؟ خاصة و الكل يعلم أن الحكومة و البرلمان و الوزراء و سائر المؤسسات و الهيئات الرسمية لا تملك من السلطة حق القرار إلا ما يفوض لها في ظل الملك و توجيهاته و تعليماته.. كما أن مبادئ الحرية و حقوق الإنسان في شموليتها و كونيتها تقر أنه لا مقدسات في السياسة، بمعنى أن كل من يتخذ قرارا يهم الناس لابد أن يكون مسؤولا، و لا بد لقراراته و أساليب معالجته السياسية في دولة الحق و القانون، لا دولة التعليمات أن ينتقد، لكن ما دامت آراء الناس و اجتهادا تهم السياسية تقدس فإنه من الأكيد أن القمع و المنع سيظلان عملة رائجة.. و كمثال على ذلك الرؤية السياسية التي عولج بها ملف الصحراء فهي رأي اجتهادي بشري، و مع ذلك فقد أدرجت على أنها رؤية مقدسة لا تقبل المناقشة و المراجعة و لا يمكن أن ينالها نقد أو تقويم أو تعديل و بسبب هذا التقديس للرأي الوحيد فقد كانت المتابعات و المحاكمات و كان التعذيب و السجن و التهمة دائما، هي المس بالمقدسات رغم أن الأمر يتعلق باختيارات سياسية و محاكمات مشروطة بظروف و تقديرات و ترجيحات ليس فيها حكم مطلق أو رأي نهائي أو معالجة أو تقدير فوق النقد، فالإجماع على وحدتنا الترابية لا يمكن أن يشمل أيضاً طريقة تدبير هذا الملف، و إذا استمر الأمر بهذا الشكل سيكون من الصعب أن نرتقي بدولتنا إلى أن تصبح دولة الحق و القانون و الحريات؛ و المتابعات الأخيرة تؤكد أن هناك من يصر على أن يكون من أساسات البناء تقديس سياسات الأشخاص في ظل دولة يقمع فيها الرأي برصاص "المقدسات"، و هل هذه المقدسات من الهشاشة التي فرضت الإسراع بالاعتقال و تجهيز المحكمات رغم أن الأمر لم يكن بالأهمية التي تشكل تهديداً حقيقياً للنظام، بل إن تهويل الأمر هو الذي ضخم المسألة خاصة إذا تأملنا طبيعة الأحكام الصادرة عن محاكم المملكة و التي أعادت طرح قضية المس بالمقدسات التي يجد العديد من المهتمين صعوبة كبيرة في تحديدها، و كيف يمكن تعريفها و حدود بدايتها و نهايتها، و يمكن الجزم أن هذه الأحداث الأخيرة توحي بأنها مصطنعة في كواليس المخزن و محكمة جيدا رغم ما يبدوا من تناقضات و عشوائية في ممارستها و تدبيرها في مختلف المجالات، فعنوان هذه الأحداث من جهة هو عصا تشبه بكثير في حجمها و آثارها، تلك التي طغت خلال ما يسمى سنوات الجمر و الرصاص باستعمال تعذيب جسدي و نفسي في مخافر الشرطة بالإضافة إلى متابعات قضائية و محاكمات صورية و محاضر منجزة مسبقاً و التهمة دائما المس بالمقدسات.
هل يكفي أن تتضامن مع شخص معتقل بتهمة الاساءة للمقدسات حتى تعتقل أنت الآخر؟ بالفعل هذا ما حدث لعشرة أشخاص بمدينة بني ملال و الذين وجهت إليهم ثلاثة تهم ثقيلة و هي التجمهر غير المرخص و المس بالمقدسات و تحقير محرر قضائي. تم ذلك يوم الثلاثاء 5 ماي بعد أن شاركوا في وقفة تضامنية مع معتقلي فاتح ماي و الذين حوكموا هم أيضاً بتهمة المس بالمقدسات لرفعهم شعارات مسيئة للنظام الملكي، فما هي إذن حدود "المقدس" التي تجاوزها هؤلاء المعتقلين؟ و إلى أي حد كانت هذه المتابعات قانونية؟